کد مطلب:370261 دوشنبه 21 خرداد 1397 آمار بازدید:580

الفصل الثانی بعلم الإمامة یواجههم












الصفحة 346












الصفحة 347


بدایة .. ونهایة:


إن ما تقدم فی فصول هذا الكتاب، هو بعض ما روی فی المصادر حول ذی الثدیة، وحول سائر ما أخبر به (علیه السلام) من أمور غیبیة حول «الخوارج»..


هذا وكان (علیه السلام) قبل أن تقع المواجهة الحاسمة قد أخبر أصحابه بأن «الخوارج» لم یعبروا النهر، ولن یعبروه، وحدد لهم مكان قتلهم، وأخبرهم بعدد من یقتل من الفریقین، ومن یفلت.


وقد ذكرنا فی مواضع من هذه الدراسة بعضاً من ذلك، ونذكر هنا أیضاً: «أن أحدهم أخبره (علیه السلام) بعبور المارقة النهروان، فقال له: أنت رأیتهم عبروا؟!.


فقال: نعم.


فقال (علیه السلام): والذی بعث محمداً (صلى الله علیه وآله) لا یعبرون، ولا یبلغون قصر بنت كسرى، حتى تقتل مقاتلتهم على یدی، فلا یبقى منهم إلا أقل من عشرة، ولا یقتل من أصحابی إلا أقل من عشرة»(1).


____________



(1) كشف الغمة ج1 ص 274 و لهذا الحدیث، أعنی عدد من یفلت منهم ومن یستشهد من أصحابه (علیه السلام) مصادر كثیرة أخرى ذكرت فی موضع آخر من هذه الدراسة.













الصفحة 348


وعن جندب الأزدی، قال: لما عدلنا إلى «الخوارج» مع علی بن أبی طالب.


قال: یا جندب، ترى تلك الرابیة؟


قلت نعم.


قال: فإن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أخبرنی أنهم یقتلون عندها(1).


وفی نص آخر: قال (علیه السلام): «لا یقتل الیوم رجل من وراء النهر»(2).


أما إخباراته عن وجود ذی الثدیة فیهم، وكونه فی جملة القتلى، فقد ذكرت فی مختلف المصادر والمراجع. وقد أوردنا فی تمهید الكتاب وفی فصوله الأخرى شطراً كبیراً من تلك المصادر.


وتقول بعض تلك النصوص: «.. فطلب الناس، فلم یجدوه، حتى قال بعضهم: غرنا ابن أبی طالب من إخواننا حتى قتلناهم.


فدمعت عین علی (علیه السلام). قال: فدعا بدابته فركبها، فانطلق حتى أتى وهدة فیها قتلى، بعضهم على بعض، فجعل یجر بأرجلهم، حتى وجدوا الرجل تحتهم، فأخبروه، فقال علی: الله اكبر. وفرح، وفرح الناس»(3).


واللافت للنظر هنا أنه (علیه السلام) حین یرید أن یبحث عن المخدج. یصر على إفهام الناس عمق ارتباطه برسول الله، حیث یكتشفه


____________



(1) كنز العمال ج11 ص 290 عن ابن عساكر.


(2) تاریخ بغداد ج1 ص 205 وبهج الصباغة ج7 ص 189 ولهذا المعنى مصادر كثیرة جداً.


(3) راجع: مجمع الزوائد ج6 ص 238 عن أبی یعلى. ورجاله رجال الصحیح. وراجع المصنف لابن أبی شیبة ج5 ص 319 وكشف الغمة ج1 ص267 ولیس فیه عبارة: وفرح، وفرح الناس.













الصفحة 349


لهم بصورة إعجازیة، تقریبا فإنه (علیه السلام) ركب بغلة رسول الله (صلى الله علیه وآله) كما قال أبو قتادة، قال: «فأقمنا ندور على القتلى، حتى وقفت بغلة النبی (صلى الله علیه وآله)، وعلی (علیه السلام). راكبها، فقال: اقلبوا القتلى»(1).


وفی نص آخر: «فالتمسوه، فلم یجدوه، فما رأیت علیاً جزع جزعاً قط أشد من جزعه یومئذ».


ثم تذكر الروایة: كیف أنهم بحثوا عن ذی الثدیة ثلاث مرات، وكان (علیه السلام) بعد أن یخبروه بأنهم لم یجدوا ذا الثدیة یكذبهم، ویؤكد أن النبی (صلى الله علیه وآله) لعنهم. وكان (علیه السلام) یسألهم عن اسم المكان فیخبرونه. وقد ذكر لهم حتى عدد الشعرات التی كانت على ید ذی الثدیة، وأنها ثلاث.


ثم وجدوه آخر الأمر فی ساقیة(2).


وبعض النصوص یصرح بأنه (علیه السلام) بكى مرتین حین كانوا یخبرونه بعدم وجدانه، ثم قام فی الثالثة بنفسه فركب بغلته الشهباء، فلما وجده سجد(3).


ونص آخر یقول: إنهم حین وجدوا المخدج كبّر علی، وحمد الله، وخرّ هو والذین كانوا معه سجدّاً(4).


____________



(1) بهج الصباغة ج7 ص 188 عن الخطیب فی ترجمة أبی قتادة الأنصاری، وتذكرة الخواص ص 104 وتاریخ بغداد ج1 ص 160 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص276.


(2) كنز العمال ج11 ص 310 وتاریخ بغداد ج1 ص 199 وج13 ص 222 والبدایة والنهایة ج7 ص 294 وبهج الصباغة ج7 ص 189 ومصادر حدیث ذی الثدیة لا تكاد تحصى لكثرتها.


(3) البدایة والنهایة ج7 ص 295.


(4) المناقب للخوارزمی ص185. مسند احمد ج1 ص 108 و147 والبدایة والنهایة ج7 ص


=>













الصفحة 350


وفی نص آخر: أنه (علیه السلام) سجد سجدة طویلة (1).


ویقول غیره: «ففرح فرحاً شدیداً»(2).


وفی آخر: «فكبر علی رضی الله عنه والناس، وأعجبهم ذلك»(3).


وحسب نص المسعودی: «أمر علی بطلب المخدج، فطلبوه، فلم یقدروا علیه. فقام علی، علیه أثر الحزن لفقد المخدج. فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعضهم، فقال: أفرجوا.


ففرجوا یمیناً وشمالاً، واستخرجوه. فقال علی: الله اكبر ما كذبت على محمد..


إلى أن قال: فثنى علی رجله، ونزل، وخر لله ساجداً»(4).


وعن مالك بن الحارث قال: «شهدت علیاً رضی الله عنه یوم النهروان طلب المخدج، فلم یقدر علیه، فجعل جبینه یعرق، وأخذه


____________



<=


292 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص 276 والخصائص للنسائی ص 141 وسنن البیهقی ج8 ص 170 وكنز العمال ج11 ص 289 عن الدورقی، وابن جریر، وانساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص 376 وذكر بعض المصادر الأخرى فی هوامشه.


(1) البدایة والنهایة ج7 ص 290 وراجع ص 280 و295 وتاریخ بغداد ج14 ص 362 وراجع: بهج الصباغة ج7 ص 187 و189 عن الخطیب فی ترجمة أبی مؤمن الوائلی، وابن عباس. وفی كنز العمال ج11 ص 289 عن ابن أبی عاصم، والبیهقی فی الدلائل والخطیب: فخرّ علی ساجداً.


(2) انساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص 377.


(3) خصائص أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب [للنسائی] ص 143 وفی هامشه عن تاریخ بغداد ج1 ص 160 وعن مسند احمد ج1 ص 88. وراجع شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص 276.


(4) مروج الذهب ج2 ص 406.













الصفحة 351


الكرب. ثم إنه قدر علیه، فخر ساجداً، فقال: والله، ما كذبت ولا كذبت»(1).


وفی نص آخر: أنه (علیه السلام) قال لهم: اطلبوا المخدج، فقالوا: لم نجده، فقال: والله، ما كذبت ولا كذبت، یا عجلان! ائتنی ببغلة رسول الله (صلى الله علیه وآله)، فأتاه بالبغلة، فركبها، وجال فی القتلى، ثم قال: اطلبوه ههنا.


قال: فاستخرجوه من تحت القتلى فی نهر وطین.


وفی روایة أبی نعیم، عن سفیان: «فقیل: قد أصبناه فسجد لله تعالى. فنصبها»(2).


ولعل المراد بقوله: فنصبها! أنه رفع ید المخدج لیراها الناس.


وفی نص آخر: «أن علیاً أرجعهم فی طلبه مرتین أو ثلاثاً، ثم وجدوه فی خربة، فأتوا به حتى وضعوه بین یدیه»(3).


وفی نص آخر: «أنه هو بنفسه قام فبحث عنه فوجده فی حفرة فیها قتلى كثیر»(4).


____________



(1) مستدرك الحاكم ج2 ص 154 وتلخیصه للذهبی [مطبوع بهامشه] وصححاه على شرط الشیخین. وتاریخ بغداد ج13 ص 158 وراجع: البدایة والنهایة ج7 ص 294.


(2) مناقب آل أبی طالب ج3 ص 191 عن تاریخ الطبری، وإبانة ابن بطة، وسنن أبی داود، ومسند أحمد.


(3) كنز العمال ج11 ص 282 عن ابن وهب ومسلم، وابن جریر، وابن أبی عاصم، والبیهقی، وأبی عوانة، وابن حبان وراجع: نزل الأبرار ص 60 وعن الریاض النضرة ج3 ص 224 وعن صحیح مسلم ج2 ص 749 وراجع: ذخائر العقبى ص 110 وتاریخ بغداد ج10 ص 305 وراجع ج12 ص 480 وراجع ج1 ص 199/200 وفرائد السمطین ج1 ص 277 ونظم درر السمطین ص116 والخصائص للنسائی ص 291 وروی أیضاً عن البدایة والنهایة ج7 ص 291.


(4) تاریخ بغداد ج1 ص 206 وكنز العمال ج11 ص 272 ومنتخب كنز العمال ج5 ص 429 و430 ومجمع الزوائد ج6 ص238 عن أبی یعلى.













الصفحة 352


وعن ابن عباس قال: لما أصیب أهل النهروان خرج علی وأنا خلفه فجعل یقول: ویلكم التمسوه ـ یعنی المخدج ـ فالتمسوه، فجاؤوا فقالوا: لم نجده، فعرف ذلك فی وجهه، فقال علی: ویلكم ضعوا علیهم القصب، أی علموا كل رجل منهم بالقصب، فجاؤوا به، فلما رآه خرّ ساجداً(1).


وتذكر روایة أخرى: أنه (علیه السلام) لما لم یجدوه قام والعرق یتصبب من جبهته حتى أتى وهدة من الأرض، فیها نحو من ثلاثین قتیلاً. فاستخرجه منهم. واظهر للشاك بالأمر آیتین جعلتاه یعود إلى یقینه، فلتراجع(2).


وعند التلمسانی: فلم یوجد، فتغیر وجه علی، وقال: والله، ما كذبت ولا كذبت، فتشوه، ففتشوه، فوجدوه فی وهدة من الأرض بین القتلى، فلما رآه علی كبر، وحمد الله تعالى(3).


وفی حدیث آخر: أنهم حین وجدوا المخدج: رفع علی یدیه یدعو والناس یدعون، قال: ثم وضع یدیه، ثم رفعهما أیضاً، ثم قال:


والله، فالق الحبة، وبارئ النسمة، لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم على لسان النبی (صلى الله علیه وآله)(4).


وحین وجدوا المخدج كبر (علیه السلام)،ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله (صلى الله علیه وآله). فقام إلیه عبیدة السلمانی، فقال: یا أمیر المؤمنین، الله الذی لا اله إلا هو، أنت سمعت هذا الحدیث من رسول الله (صلى الله علیه وآله)؟!.


____________



(1) تاریخ بغداد ج1 ص 174.


(2) خصائص علی (علیه السلام) للنسائی ص 30.


(3) الجوهرة ص 109.


(4) المصنف ج10 ص 151.













الصفحة 353


فقال: إی والله الذی لا إله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثاً، وهو یحلف(1).


وفی نص آخر: عن عبیدة أن علیاً (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): یخرج قوم فیهم رجل مودن [أو مثدون، أو مخدج الید] لولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذین یقتلونهم على لسان نبیَّه.


قال عبیدة: قلت لعلی رضی الله عنه: أأنت سمعته من رسول الله (صلى الله علیه وآله)؟!.


قال: إی ورب الكعبة. إی ورب الكعبة. إی ورب الكعبة(2).


حرب «الخوارج» هی الأصعب:


وقد ذكر لنا التاریخ صراحة: أن بعض من كانوا مع علی، قد ارتابوا فی حرب «الخوارج».


____________



(1) المصنف للصنعانی ج10 ص 148/149 وفی هامشه عن مسلم، وعن البیهقی ج8 ص 170 وكنز العمال ج11 ص 281 عن مسلم، وعبد الرزاق، والبیهقی، وابن أبی عاصم، وأبی عوانة، وخشیش. والبدایة والنهایة ج7 ص 291 و290 وعن صحیح مسلم ج1 ص 343.وراجع: فرائد السمطین ج1ص276 و277.وعن طبقات ابن سعد ج4 ق2 ص 36 ونظم درر السمطین ص 117 وخصائص الإمام علی للنسائی ص 145 وكفایة الطالب ص 177 وذخائر العقبى ص 110 عن مسلم ونزل الأبرار ص 61.


(2) راجع مسند احمد ج1 ص 95 و78 و55 وراجع ص 113 و121، ونزل الأبرار ص 61 وفی هامشه عن مسلم ج2 ص747. والمصنف للصنعانی ج10 ص 149 وكنز العمال ج11 ص 282 عن الترمذی،والبخاری،ومسلم وأبی داود والطیالسی، وابن جریر، وخشیش، وابن حبان، وابن أبی عاصم، والبیهقی، وأبی عوانة، وابن ماجة وغیرهم، وراجع: منتخب كنز العمال [مطبوع بهامش مسند أحمد] ج5 ص 434. وراجع خصائص أمیر المؤمنین للنسائی ص 146 وتاریخ بغداد ج11 ص118 والریاض النضرة ج3 ص 225 والبدایة والنهایة ج7 ص 292 و293 ومناقب علی بن أبی طالب لابن المغازلی ص 416.













الصفحة 354


ویذكرون أیضاً: «أن الناس كأنهم قد وجدوا من أنفسهم من قتلهم»(1).


فحین رأوا صدق إخباراته الغیبیة (علیه السلام) عادوا إلى یقینهم. یقول جندب بن عبد الله الأزدی:


«شهدت مع علی الجمل، وصفین، ولا أشك فی قتالهم، حتى نزلنا النهروان فدخلنی شك، وقلت: قراؤنا وخیارنا نقتلهم؟!! إن هذا الأمر عظیم!!».


ثم تذكر الروایة: أنه عاد إلى یقینه حین رأى صدق ما أخبر به أمیر المؤمنین (علیه السلام) بعدم عبورهم النهر(2).


وعن أبی سلیمان المرعشی، قال: لما سار علی إلى أهل النهر سرت معه، فلما نزلنا بحضرتهم أخذنی غم لقتالهم لا یعلمه إلا الله تعالى حتى سقطت فی الماء مما أخذنی من الغم، قال: فخرجت من الماء وقد شرح الله صدری لقتالهم(3).


وهذه كرامة لعلی (علیه السلام)، حیث ذهب الغم عنه بمجرد سقوطه فی الماء، وذهبت الأوهام والتخیلات، ثم شرح الله صدره لقتالهم وهذا لطف إلهی، ورعایة ربانیة، كما هو ظاهر.


____________



(1) راجع كنز العمال ج11 ص 286 عن احمد، والحمیدی والعدنی، والبدایة والنهایة ج7 ص 294 ومسند احمد ج1 ص88 وتاریخ بغداد ج14 ص363 وبهج الصباغة ج7 ص 187/188.


(2) كشف الغمة ج1 ص277 ومناقب الإمام علی (علیه السلام) لابن المغازلی ص406 وغیر ذلك كثیر.


(3) تاریخ بغداد ج14 ص 365.













الصفحة 355


الحدث الذائع:


وقد ذاع هذا الأمر وشاع حتى إن أبا سعید یقول: حدثنی عشرة من صحابة النبی (صلى الله علیه وآله)، ممن أرتضی، فی بیتی هذا: أن علیاً قال: التمسوا لی العلامة التی قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) عنها، فإنی لم اكذب، ولم أكذب.


فجیء به.


فحمد الله علی حین عرف علامة رسول الله (صلى الله علیه وآله)(1).


ونحن هنا نشیر إلى الأمور التالیة:


1 ـ إن هذه الروایة تشیر إلى أن أبا سعید لم یكن یرتضی جمیع صحابة النبی (صلى الله علیه وآله)، أو على الأقل لم یكن یرتضی الروایة عنهم بأجمعهم. بل كان یرتضی بعضاً منهم دون بعض.


2 ـ إن هذا الحدیث قد ذاع وشاع إلى درجة أن عشرة من الصحابة، ومن خصوص المرضیین لأبی سعید فقط، كانوا حاضرین وفی خصوص بیت هذا الرجل ـ یحدثون بهذا الحدیث، فكیف بمن لم یأت منهم إلى بیت أبی سعید، أو لم یكن مرضیاً عنده، أو حدثه فی غیر بیته. وكیف بسائر الناس، الذین لا بد أن یرووا ما رأوا وما سمعوا أیضاً.


3 ـ إن ما جرى فی كشف أمر المخدج یعطینا: أن ذلك قد أسهم فی نشر حقانیة موقف أمیر المؤمنین، حتى فی أوساط الذین لم یحضروا تلك الحرب، فقد كان حدثاً لافتاً ومثیراً للعجب، كما أشارت بعض النصوص، حیث جاء فیها:


____________



(1) كنز العمال ج11 ص 302 عن ابن جریر.


 













الصفحة 356


«وكبر الناس حین رأوه واستبشروا، وذهب عنهم ما كانوا یجدون»(1).


وفی نص آخر: «فكبر علی رضی الله عنه والناس، وأعجبهم ذلك»(2).


وأن أحداثا كهذه تمس الناحیة العقیدیة والإیمانیة للناس. ولاسیما على مستوى حرب تخاض ضد من یحملون اسم الإسلام، ویظهرون زهداً وعبادة، وهم الأهل والعشیرة والإخوان.. ثم تكون لها تلك النتائج الكبرى والحاسمة.


وهی أحداث مثیرة، فلا غرو أن یتناقلها الناس، باندفاع وبحرص، واهتمام بالغ.


وهذا أیضاً أحد الأمور التی سیكون علی (علیه السلام) مسروراً لها، وذلك لما لها من الأثر الایجابی على ذهنیة الناس، ونظرتهم للأمور، وموقفهم منها، إن حاضراً وان فی المستقبل القریب أو البعید على حد سواء.


4 ـ إن مراجعة نصوص حادثة النهروان تشیر إلى أن علیاً (علیه السلام) قد اخبرهم بأكثر من خبر، بل إنه حتى بالنسبة للمخدج نفسه، لم یكتف بالإخبار عنه، بل اخبر أیضاً بالعلامات التی فیه، وأصر على التعرف علیها. كما ذكرته هذه الروایة. بل تقدم أنه أخبرهم حتى بعدد الشعرات التی على یده.


____________



(1) راجع مسند احمد ج1 ص 88 وكنز العمال ج11 ص 286، عن احمد، والحمیدی، والعدنی. والبدایة والنهایة ج7 ص 294.


(2) تقدمت الإشارة لمصادر هذا النص قبل صفحات یسیرة.













الصفحة 357


5 ـ إن من الواضح: أن علیاً (علیه السلام) الذی ینظر إلى الأمور بعین البصیرة، والعقل، ونورالحكمة لم یكن یحتاج فی إیمانه إلى رؤیة خوارق ومعجزات. أما أولئك الذین ینظرون إلى الأمور من موقع الأهواء، والعصبیات، والجهل، فإنهم یحتاجون إلى الصدمة التی تسد على نفوسهم الإمارة منافذ التحایل على العقل، وتمنعها من التغریر به، واستخدامه فی صناعة وسائل الصد عن الحق، واثارة الشبهات.وتزیین الباطل..


ولأجل ذلك نقول: إن المؤمنین الحقیقیین هم العقلاء حقاً. ومن هنا عرفنا أیضاً أن «الخوارج» كانوا أخفاء الهام سفهاء الأحلام. ولأجل ذلك أیضاً كان معاویة یعمل على أن یستخف قومه لیطیعوه، تماماً كما فعل فرعون مع قومه.


ومن الواضح: أن الإیمان حین یأتی عن طریق الصدمة، فانه لا یكون له ذلك الرسوخ والعمق. وسرعان ما تعود النفس الأمارة بعد هدوء الحال إلى محاولاتها لتزویر الحقیقة. ولأجل ذلك نلاحظ: أن الذین كانوا یطلبون المعجزات من الأنبیاء كان إیمانهم سطحیاً، ومدخولاً، ومشوباً إلى درجة كبیرة.


أما الإیمان العمیق والصحیح فهو إیمان أولئك الذین عرفوا الحق بفطرتهم، ولمسوه بوجدانهم، وعاینوه بعین بصیرتهم.


وبذلك نستطیع أن نفهم بعمق كیف أنه بعد أن فرغ علی (علیه السلام) من أهل النهروان، وخطب الناس بالنخیلة: قام إلیه رجل منهم، فقال: ما أحوج أمیر المؤمنین الیوم إلى أصحاب النهروان، ثم تكلم الناس من كل ناحیة ولغطوا(1).


____________



(1) الشیعة فی التاریخ ص42 عن شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج1 ص 146.













الصفحة 358


فإن هؤلاء هم الذین لم یلامس الإیمان شفاف قلوبهم، ولم یمازج فطرتهم، وبقی مجرد لعق على ألسنتهم، لا یجاوز تراقیهم.


إشهار أمر المخدج:


وإن مراجعة نصوص حدیث المخدج تعطینا: انه (علیه السلام) كان یسعى إلى إشهار أمره ونشره.


أما ما رواه إبراهیم بن دیزیل، عن حبة العرنی، بعد وصفه ذا الثدیة حیث قال: «فلما وجدوه قطعوا یده، ونصبوها على رمح، ثم جعل علی (علیه السلام) ینادی: صدق الله، وبلغ رسوله. لم یزل یقول ذلك هو وأصحابه بعد العصر، إلى أن غربت الشمس، أو كادت»(1).


فلا نستطیع قبوله، فان علیاً (علیه السلام) لا یرضى بقطع ید القتیل، لأن هذا قد یكون نوعاً من المثلة المنهی عنها، إلا أن یكون الناس هم الذین فعلوا به ذلك فی غیابه ومن دون موافقة منه (علیه السلام).


وعلى كل حال فقد روی عن یزید بن رویم قال: [بعد أن ذكر أنه كان عاملاً لعلی (علیه السلام) على باروسما، ونهر الملك] فأتاه من أخبره عن أمر «الخوارج»] «قال علی (علیه السلام): یقتل الیوم أربعة آلاف من الخوارج، أحدهم ذو الثدیة.


فلما طحن القوم، ورام استخراج ذی الثدیة، فاتبعه، أمرنی أن أقطع له أربعة آلاف قصبة. وركب بغلة رسول الله (صلى الله علیه وآله)، وقال:


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص 276 عن ابن دیزیل فی صفینه.













الصفحة 359


اطرح على كل قتیل منهم قصبة، فلم أزل كذلك، وأنا بین یدیه، وهو راكب خلفی، والناس یتبعونه حتى بقیت فی یدی واحدة. فنظرت إلیه وإذا وجهه أربد، وإذا هو یقول: والله، ما كذبت، ولا كذبت. فإذا خریر ماء عند موضع دالیة [ثم یذكر العثور على ذی الثدیة هناك، ثم یقول]: فكبر علی بأعلى صوته، ثم سجد، فكبر الناس كلهم»(1).


قبل.. وبعد النهروان:


إن الأمر لم یقتصر على إخبار علی (علیه السلام) بأمر ذی الثدیة. ونحو ذلك مما یدخل فی نطاق حرب «الخوارج» له (علیه السلام). بل تعداه إلى ما قبل وبعد حرب النهروان، حیث نجد علیاً (علیه السلام) یستمر فی إعطاء الدلیل تلو الدلیل على أنه هو الذی اختصه رسول الله (صلى الله علیه وآله) بالمعارف والعلوم التی عرفه الله إیاها. وذلك حین یخبر الناس أیضاً بمستقبل هذا الخط الانحرافی عن صراط الله. وذلك فور عثوره على المخدج..


فعن حبة العرنی قال: لما فرغنا من النهروان قال رجل: والله لا یخرج بعد الیوم حروری أبداً.


فقال علی (علیه السلام): «مه، لا تقل هذا! فوالذی فلق الحبة، وبرأ النسمة إنهم لفی أصلاب الرجال، وأرحام النساء. ولا یزالون


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص 277 و278 ومناقب الإمام علی بن أبی طالب لابن المغازلی ص 415.













الصفحة 360


یخرجون، حتى تخرج طائفة منهم بین نهرین، حتى یخرج إلیهم رجل من ولدی، فیقتلهم، فلا یعودون أبداً»(1)


وقد ذكرت بعض الروایات اسم الحسن والحسین (علیهما السلام) فی هذه القضیة، فعن أبی جعفر الفراء، قال: شهدت مع علی النهر. فلما فرغ من قتلهم قال: أطلب المخدج.


فطلبوه، [فلم یجدوه، وأمر أن یوضع على كل قتیل قصبة]، فوجدوه فی وهدة [منتقع ماء]، رجل أسود، منتن الریح، فی موضع یده كهیئة الثدی، علیه شعرات، فلما نظر إلیه، قال: صدق الله ورسوله فسمع أحد ابنیه، إما الحسن، أو الحسین یقول: الحمد لله الذی أراح أمة محمد (صلى الله علیه وآله) من هذه العصابة.


فقال علی: (لو لم یبق من الأمة إلا ثلاثة، لكان احدهم على رأی هؤلاء.إنهم لفی أصلاب الرجال، وفی أرحام النساء)(2).


ومن الواضح: أن كلامه لم یأت رداً على قول أحد ولدیه (علیهما السلام)، لأن الحمد على إراحة الله الأمة من عصابة أهل النهروان، لا یعنی أن قتلهم فی النهروان سوف یمنع من ظهور غیرهم ممن ینتحل نحلتهم فی الأمة على مر الزمان.


فالله قد أراح الأمة من هؤلاء، وعلی (علیه السلام) یخبر عن ظهور آخرین منهم فی الأمة فی الأزمنة التالیة..


____________



(1) تاریخ بغداد ج8 ص 275.


(2) كنز العمال ج11 ص 277 عن الطیالسی، ومجمع الزوائد ج6 ص 242 عن الطبرانی فی الأوسط.













الصفحة 361